فصل: الشاهد السابع عشر بعد الخمسمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.إقامة الخطبة العباسية بمصر.

ثم كتب نور الدين بإقامة الخطبة للمستضيء العباسي وترك الخطبة للعاضد بمصر فاعتذر عن ذلك بميل أهل مصر للعلويين وفي باطن الأمر خشي من نور الدين فلم يقبل نور الدين عذره في ذلك ولم تسعه مخالفته وأحجم عن القيام بذلك وورد على صلاح الدين شخص من علماء الأعاجم يعرف بالخبشاني ويلقب بالأمير العالم فلما رآهم محجمين عن ذلك صعد المنبر يوم الجمعة قبل الخطيب ودعى للمستضيء فلما كانت الجمعة القابلة أمر صلاح الدين الخطباء بمصر والقاهرة بقطع خطبة العاضد والخطبة للمستضيء فتراسلوا بذلك ثاني جمعة من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة وكان المستضيء قد ولي الخلافة بعد أبيه المستنجد في ربيع من السنة قبلها ولما خطب له بمصر كان العاضد مريضا فلم يشعروه بذلك وتوفي يوم عاشوراء من السنة ولما خطب له على منابر مصر جلس صلاح الدين للغزاء واستولى على قصره ووكل به بهاء الدين قراقوش وكان فيه من الذخائر ما يعز وجوده مثل حبل الياقوت الذي وزن كل حصاة منه سبعة عشر مثقالا ومصاف الزمرد الذي طوله أربعة أصابع طولا في عرض ومثل طبل القولنج الذي يضربه فيعافى بذلك من داء القولنج وكسروه لما وجدوا ذلك منه فلما ذكرت لهم منفعته ندموا عليه ووجدوا من الكتب النفسية ما لا يعد ونقل أهل العاضد إلى بعض حجر القصر ووكل بهم وإخراج الأماء والعبيد وقسمهم بين البيع والهبة والعتق وكان العاضد لما اشتد مرضه استدعاه فلم يجب داعيه وظنها خديعة فلما توفي ندم وكان يصفه بالكرم ولين الجانب وغلبة الخير على طبعه والإنقياد ولما وصل الخبر إلى بغداد بالخطبة للمستضيء ضربت البشائر وزينت بغداد أياما وبعثت الخلع لنور الدين وصلاح الدين مع صندل الخادم من خواص المقتفي فوصل إلى نور الدين وبعث بخلعة صلاح الدين وخلع الخطباء بمصر والاعلام السود والله تعالى أعلم.

.الوحشة بين صلاح الدين ونور الدين.

قد كان تقدم لنا ذكر هذه الوحشة في أخبار نور الدين مستوفاة وأن صلاح الدين غزا بلاد الإفرنج سنة سبع وستين وحاصر حصن الشوبك على مرحلة من الكرك حتى استأمنوا إليه فبلغ ذلك نور الدين فاعتزم على قصد بلاد الإفرنج من ناحية أخرى فارتاب صلاح الدين في أمره وفي لقاء نور الدين وإظهار طاعته وما ينشأ عن ذلك من تحكمه فيه فأسرع العود إلى مصر واعتذر لنور الدين بشيء بلغه عن شيعة العلويين ليعتزله نور الدين وأخذ في الإستعداد لعزله وبلغ ذلك صلاح الدين وأصحابه فتفاوضوا في مدافعته ونهاهم أبوه نجم الدين أيوب وأشار بمكاتبته والتلطف له مخافة أن يبلغه غير ذلك فيقوي عزمه على العمل به ففعل ذلك صلاح الدين فسالمه نور الدين وعادت المخالطة بينهما كما كانت واتفقا على اجتماعهما لحصار الكرك فسار صلاح الدين لذلك سنة ثمان وستين وخرج نور الدين من دمشق بعد أن تجهز فلما انتهى إلى الرقيم على مرحلتين من الكرك وبلغ صلاح الدين خبره ارتابه ثانيا وجاءه الخبر بمرض نجم الدين أبيه بمصر فكر راجعا وأرسل إلى نور الدين الفقيه عيسى الهكاري بما وقع من حديث المرض بأبيه وأنه رجع من أجله فأظهر نور الدين القبول وعاد إلى دمشق والله تعالى أعلم.

.وفاة نجم الدين أيوب.

كان نجم الدين أيوب بعد إنصراف ابنه صلاح الدين إلى مصر أقام بدمشق عند نور الدين ثم بعث عنه ابنه صلاح الدين عندما استوثق له ملك مصر فجهزه نور الدين سنة خمس وستين في عسكره وسار لحصار الكرك ليشغل الإفرنج عن اعتراضه كما مر ذكره ووصل إلى مصر وخرج العاضد لتلقيه وأقام مكرما ثم سار صلاح الدين إلى الكرك سنة ثمان وستين المرة الثانية في مواعدة نور الدين وأقام نجم الدين بمصر وركب يوما في مركب وسار ظاهر البلد والفرس في غلواء مراحه وملاعبة ظله فسقط عنه وحمل وقيذا إلى بيته فهلك لأيام منها آخر ذي الحجة من السنة وكان خبرا جواد محسنا للعلماء والفقراء وقد تقدم ذكر أوليته والله ولي التوفيق.

.استيلاء قراقوش على طرابلس الغرب.

كان قراقوش من موالي تقي الدين عمر بن شاه نجم الدين أيوب وهو ابن أخي صلاح الدين فغضب مولاه في بعض النزعات وذهب مغاضبا إلى المغرب ولحق بجبل نفوسه من ضواحي طرابلس الغرب وأقام هنالك دعوة مواليه وكان في بسائط تلك الجبال مسعود بن زمام المعروف بالبلط في أحيائه من رياح من عرب هلال بن عامر كان منحرفا عن طاعة عبد المؤمن شيخ الموحدين وخليفة المهدي فيهم فانتبذ مسعود بقومه عن المغرب وأفريقية إلى تلك القاصية فدعاه قراقوش إلى إظهار دعوة مواليه بني أيوب فأجابه ونزل معه بأحيائه على طرابلس فحاصرها قراقوش وافتتحها ونزل بأهله وعياله في قصرها ثم استولى على قابس من ورائها وعلى توزر ونفطة وبلاد نفراوة من أفريقية وجمع أموالا جمة وجعل ذخيرته بمدينة قابس وخربت تلك البلاد أثناء ذلك باستيلاء العرب عليها ولم يكن لهم قدرة على منعهم ثم طمع في الاستيلاء على جميع أفريقية ووصل يده بيحي بن غانية اللمتوني الثائر بتلك الناحية بدعوة لمتونة من بقية الأمراء في دولتهم فكانت لهما بتلك الناحية آثار مذكورة في أخبار دولة الموحدين إلى أن غلبه ابن غانية على ما ملك من تلك البلاد وقتله كما هو مذكور في أخبارهم والله أعلم.